المخدرات... الصعود الى الهاوية - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


المخدرات... الصعود الى الهاوية
رائد أبو عواد - 12\10\2008

سعيد طبيب مختص بالجراحة يتمتع بمركز مرموق في قريته ومجتمعه ويحترمه الجميع لكن ما الذي يفعله الدكتور سعيد في هذه الساعة المتأخرة وفي هذا المكان بالذات؟هل أصبح يتعاطى المخدرات؟ مقلق ان يكون سعيد ابن الخمسين سنه ورب الأسرة قد أصبح مدمنا على السموم......ولكن ....لحظه يجب أن لا نظلمه ونتبين سبب تجواله الليلي المريب وسرعان ما ظهرت الحقيقة المرعبة.

سعيد فعلا يبحث عن وجبه مخدرات ولكن ليس له وإنما لابنه البكر الذي أنهى دراسته الثانوية وينوي الالتحاق بالجامعة. لا تستغربوا حتى تعلموا ما قد حصل. فقد اكتشف سعيد إدمان ابنه على المخدرات وفي هذه الأثناء يتعرض لحاله من الكريز بسبب عدم حصوله على الوجبة وتحول والده من الأب المربي الذي لا يرضى أن يكون ابنه مدمنا إلى شخص يبحث لابنه عن وجبة المخدر لان القلب الأبوي لم يتحمل منظر ابنه وهو في هذه الحالة فقد بدا الابن بنهش جسمه بأظافره ولم يتحمل آلام البطن الشديدة التي أصابته لدرجه انه بدا بلكم جدران الغرفة التي سجنه والده فيها.لا اعلم أن كان الدكتور سعيد قد حصل على الوجبة ولكن اعلم انه فقد ابنه بعد هذه الحادثة بأيام على اثر جرعه زائدة تناولها ابنه أدت إلى انفجار في شرايين الدماغ وتوفي في الحال....

تظنون أن القصة خياليه؟ مهلا لا تتسرعوا فهذه قصه حقيقيه حدثت في إحدى القرى العربية ولم استطع التهرب من المقارنة بين قريتي وبين أي قرية أخرى تتعرض لمثل هذه الأحداث.لأننا جميعا في النهاية عرضه لمثل هذه المصائب ورغم رغبتنا الشديدة بالابتعاد عن هذه المشاكل إلا أنها موجودة وتهدد كل أسرة لان الإدمان على المخدر لا يقتصر على فئة من فئات المجتمع أو على جنس أو مستوى علمي أو مادي .فالجميع معرضون للاحتكاك بمروجي المخدر الذين لا ينفكون يسعون لتوسيع دائرة المدمنين ليزيد عدد زبائنهم وتزيد أرباحهم.

ما السر وراء الإدمان برغم كل ما يعانيه المدمن وبرغم المعاناة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية؟ولماذا نجد دائما مدمنين جدد رغم أن الجميع يعلم النهاية المأساوية الحتمية لكل من سار في هذا الطريق ولعل الجواب يكمن داخل كل إنسان منا لان الإنسان بطبعه يبحث دوما عن الراحة وعن السعادة وكما نعلم فالوصول إلى الراحة الدائمة أو السعادة الدائمة أمر مستحيل فيلجا البعض إلى الطريق السهلة وهي الحصول على النشوة عن طريق المخدر.

الخطير في الموضوع وجود بعض الأفكار الخاطئة حول الإدمان والتي يجب الانتباه إليها ومنها أن الإدمان يكون فقط على المخدرات والحقيقة أن الإدمان لا يقتصر على تعاطي المخدرات وإنما يمكن أن يكون من خلال تعاطي الكحول التي يعتبر الحصول عليها سهلا وأسعارها ليست باهظة فيستطيع الجميع الحصول عليها(حتى الأطفال)وهكذا يمكن للمرء أن يصبح مدمنا دون أن يشعر انه يقوم بعمل خطير ولا يشعر بمدى تعلقه بالخمر إلا بعد فوات الأوان.ولذا يعتبر المختصون أن الإدمان على الكحول اخطر من الإدمان على المخدرات.

نظريه أخرى خاطئة تلك التي تتحدث عن المخدرات الخفيفة والحقيقة انه لا توجد مخدرات خفيفة فجميع الأنواع تؤدي إلى الإدمان وجميعها تسبب ضرر غير قابل للإصلاح للدماغ وللجهاز العصبي.

نظرية ثالثة خطيرة جدا تقول أن استعمال المخدر لمرة واحده لا يسبب الإدمان والحقيقة انه يمكن أن لا يسبب الإدمان ولكن المرة الأولى يستحيل أن تكون الأخيرة لان من شعر بتأثير المخدر لا يستطيع عدم التفكير به وهكذا فانه وفي أول أزمة أو لحظة ضعف سوف يلجا للمخدرات ولو انه لم يجربها لما خطرت بباله.

نظريه أخرى متداولة وهي أيضا مغلوطة وهي أن المدمن يستطيع اللجوء إلى العلاج وتنظيف جسمه خلال فتره معينه والحقيقة أن خطورة الإدمان تكمن في ما يسمى بالإدمان النفسي وهو الذي يجعل الإنسان متعلقا بما أدمن عليه حتى ولو استطاع تنظيف دمه وجسمه من السموم وهكذا يصبح المدمن أسيرا لهذا الإدمان النفسي مدى الحياة.

ليتخيل كل منا نفسه مدمنا تدور كل حياته حول فكره واحدة وهي الحصول على المخدر لتفادي ما يسمى بالكريز أو أن لا يكتشف أمرك أحدا فتخيل كيف تكون الحياة...

تخيل نفسك والدا أو أخا لمدمن تراه يحترق أمامك ولا تستطيع أن تفعل شيئا.....تخيلي نفسك أما لمراهق تنتظرين الوقت الذي ترينه رجلا إلى جانبك وفجاه تكتشفين إدمانه ويتحول الابن المدلل إلى وحش يفعل أي شئ مقابل الحصول على وجبه المخدر......

طبعا يصعب علينا أن نتخيل هذه الأوضاع ولكن صدقوني لم يخطط أحدا لان يصبح مدمنا ولم يعلم أي مدمن أن تلك السيجارة أو تلك السهرة ستكون بداية الطريق التي لا رجعة منها –طريق الإدمان. ولذا يجب أن يعلم كل شاب وتعلم كل فتاة أن هذه الطريق لها نهاية واحده مهما كانت مضيئة ومهما كانت الأشجار حولها مزهرة وجميله فالنهاية واحدة ويجب أن يعلم كل أب وتعلم كل أم أن الأبناء والبنات بحاجة إلى مراقبه ومرافقة لان البيت هو الذي يربي وعندما لا يقوم الأهل بهذا العمل فسيكون الشارع هو المربي وتخيلوا ما نوع التربية التي سيحصل عليها أولادكم.اعلموا أن رفاق السوء لا يأتي منهم إلا السوء واعلموا أن الشر موجود في كل مكان يتربص بأولادكم وان لم تكونوا أقوياء تغلب عليكم وعلى أولادكم.وان كثره الدلال تعطي نتيجة عكسية .

وفي النهاية لا بد من الانتباه إلى الضرر الذي يسببه الإدمان على النسيج الاجتماعي لان المدمن يؤثر في عدة دوائر انطلاقا من الأسرة التي يمكن أن تدمر مرورا بالمدرسة حيث يمكن أن يسعى المدمن إلى توريط اكبر عدد من زملائه كي لا يكون وحيدا ووصولا إلى الحارة أو القرية لان المدمن يمتلك هدفا واحدا وهو الحصول على وجبة المخدر لذلك يمكن أن يسرق أو يضرب أو يقتل للحصول على المال ولا ننسى أن المدمن لا يسيطر على تصرفاته أثناء تأثير المخدر عليه وهكذا يمكن أن يشكل خطرا على نفسه وعلى الآخرين كما حدث في إحدى قرى الجليل عندما قام أربعة مراهقين في الصف التاسع باغتصاب طفلة في السادسة من عمرها ثم قتلها بوحشية والغريب في الأمر أنهم وفي اليوم التالي لم يستطيعوا تذكر أي شيء مما فعلوه لأنهم كانوا تحت تأثير حبوب الاكستازي(نوع من المخدرات).طبعا يصعب أن نتخيل نفسنا مكان أهل هذه الطفلة أو ربما مكان أهالي الشبان الذين تحولوا إلى مجرمين بسبب لحظه متعه ما كان اقصرها وأتعسها من لحظه

وهكذا تكون مشكله المخدرات مشكلتنا جميعا ويجب أن تكون التوعية هدف الجميع كي نحافظ على أبنائنا وبناتنا.....